اربيل - لينا سياوش الحياة - 08/05/06/
صادق البرلمان الكردستاني أمس على التشكيلة الجديدة للحكومة الكردية الموحدة، بعد ما يزيد على 12 عاماً على انفصال ادارة اقليم كردستان العراق بين الحزبين الكرديين، الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني في أربيل والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني في السليمانية، وبعد مفاوضات عسيرة قادتها الكتل السياسية الكردية للتوصل الى اتفاق لدمج الجميع في حكومة واحدة.
وأدى رئيس الحكومة نيجرفان بارزاني ونائبه عمر فتاح واعضاء الحكومة الجديدة القسم على طاولة توسطها العلم الكردستاني والعلم العراقي (الذي يعود إلى أيام حكم عبد الكريم قاسم)، ووضعت على الطاولة نسخة من القرآن الكريم وأخرى من الانجيل وادى الوزراء الجدد قسمهم وفقاً لانتمائهم الديني، فيما وقف رئيس الاقليم مسعود بارزاني ورئيس برلمان كردستان عدنان مفتي وراء الطاولة وصافحوا الوزراء بعد أدائهم القسم.
وقال نيجرفان بارزاني في كلمته «اتمنى ان تقوم هذه الحكومة بمحاولات جدية لاعادة المناطق الكردية التي اقتطعت من اقليم كردستان بالطرق القانونية والدستورية». واعرب عن الامل في اقامة افضل العلاقات مع دول الجوار وقال «نمد يد الاخوة والتعاون الى دول الجوار»، مؤكدا ان «اسلوب التهديد زال وانتهى، ونحن لن نقبل اي تهديد بعد اليوم من اي كان».
وقال عادل عبد المهدي نائب الرئيس العراقي في كلمته: «اقول لمن يتخوف من ان تصبح كردستان قوية ان كردستان قوية تعني عراقا قويا وكردستان موحدة تعني عراقا موحدا». واضاف ان «كردستان لم تعتد على احد في الماضي ولا في المستقبل لان فيها شعبا كريما وقيادة واعية». واوضح ان «كردستان ضربت حتى بالسلاح الكيماوي والنابالم وشنت عليها الحملات العسكرية، لكنها لم ترد سوى في ساحات القتال على ايدي البشمركة الابطال». واكد عبد المهدي ان «النظام الفيديرالي يجب ان يأخذ ابعاده في العراق كله لان هذه التجربة هي انسب ما يمكن ان يحصل عليه الشعب العراقي من النظم التعددية».
ولم تعقد جلسة البرلمان في المبنى العادي ونقلت الى قاعة ا شباط (فبراير) وهي قاعة حديثة البناء تجاور مبنى البرلمان، وذلك بسبب كثرة عدد المدعوين والحضور. والى جانب رئيس الاقليم مسعود بارزاني حضر الجلسة نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي ورئيس البرلمان محمود المشهداني والرئيس السابق للبرلمان حاجم الحسني، وعدنان الدليمي، وعدد من الشخصيات العراقية بالاضافة الى السفير الأميركي زلماي خليل زاد وسفراء الدول الأجنبية والاقليمية الممثلة في اقليم كردستان. وغاب عن الجلسة رئيس الجمهورية جلال طالباني ورئيس الوزراء المعيّن نوري المالكي الذي سبقه في التغيب عن حضور جلسات البرلمان الكردستاني رئيس الوزراء المنتهية ولايته ابراهيم الجعفري الذي تغيب عن جلستين سابقتين للبرلمان، خصصت الأولى لتنصيب بارزاني رئيساً للاقليم، والثانية للاعلان عن البرلمان الكردستاني والمصادقة على عضوية أعضائه.
بدأت جلسة البرلمان بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء كردستان والعراق، بعدها افتتح رئيس البرلمان الكردستاني عدنان مفتي الجلسة بكلمة، تلتها كلمة رئيس الحكومة الكردية وممثل الحزب الديموقراطي الكردستاني نيجرفان بارزاني الذي اعلن اسماء تشكيلته الوزارية، لتتحول الكلمة مرة ثانية الى مفتي الذي طلب من أعضاء البرلمان ابداء معارضتهم أو موافقتهم على أسماء الوزراء الذين بدأ بذكر اسمائهم الواحد تلو الآخر. وأدى بعدها بارزاني القسم تبعه نائبه عمر فتاح ممثل الاتحاد الوطني الكردستاني ثم أعضاء الحكومة الجدد. وكان من المقرر أن يلقي الرئيس جلال طالباني كلمة بالمناسبة، لكن ممثلاً عنه القى كلمة بالنيابة وانتهت الجلسة بكلمة لرئيس الاقليم مسعود بارزاني.
وتتألف التشكيلة الوزارية للحكومة الكردية الجديدة من 40 حقيبة منها 27 وزارة فعالة و13 وزارة دولة بالاضافة الى منصبي رئيس الحكومة ونائبه. وتوزعت الحقائب الفعالة بين الحزبين الرئيسيين: الديموقراطي الكردستاني الذي يشغل 11 وزارة، والاتحاد الوطني الكردستاني الذي يشغل ايضا 11 وزارة وتوزعت بقية الحقائب على الاحزاب الكردية الصغيرة. غير أن أبرز ما اتسمت به هذه الحكومة الكردية هذه المرحلة عن سابقاتها ضعف مشاركة المرأة فيها، اذ حصلت على وزارتين فعالتين (وزارة الشهداء والانفال ووزارة البلديات) ووزارة واحدة للاقليم، واعطيت حقيبة للمسيحيين واخرى للتركمان، بالاضافة إلى وزراء الدولة.
وشارك الاتحاد الاسلامي الكردستاني في الحكومة الجديدة بما عُرض عليه نفسه سابقاً من قبل الحزبين الكرديين الرئيسيين وسبق أن رفضه، وهي وزارة فعالة واحدة (وزارة التجارة) ووزارة اقليم، وكان زعيم «الاتحاد الاسلامي» صلاح الدين بهاء الدين في لقاء سابق مع «الحياة» طالب بأن تكون مشاركتهم في الحكومة الكردية الموحدة بوزارتين فعالتين مع وزارة دولة، او وزارتا دولة مع وزارة فعالة.
وأصدر «الاتحاد الاسلامي» قبل يوم من عقد جلسة البرلمان الكردستاني بياناً بدأ بمباركة تشكيل الحكومة الجديدة وخاطب سكان المنطقة الكردية بالقول: «كنا مصممين على بقائنا في المعارضة لكن التجربة الجديدة لكردستان والوضع السياسي غير المستقر، وبعض حقوق الاكراد التي لم تقر حتى الآن في الدستور العراقي، جعلتنا نتنازل عن حقوقنا واستحقاقاتنا الانتخابية». وأضاف أن قرار المشاركة جاء «خدمة للمصلحة الوطنية لشعب كردستان» .
إلى ذلك، اعتبر يوم الاعلان عن تشكيل الحكومة الكردية الموحدة ومصادقة البرلمان الكردستاني عليها يوم عطلة في مدينة أربيل فقط، وذكرت بعض المصادر ان مثل القرار اتخذ لضبط السيطرة الامنية على المدينة التي شهدت انعقاد جلسة البرلمان فيها.
وينتظر الشارع الكردستاني مناسباته الوطنية والقومية بلهفة قد لا يكون سببها في الكثير من الأحيان ما لهذه المناسبة أو تلك من معنى، فكلمة مناسبة أصبحت مقرونة لدى الكثيرين بما تجره وراءها من أيام «عطل» و»مكافآت» في بعض المناسبات.
وبدت حركة المرور في شوارع أربيل يوم أمس هادئة من زحمة وضجيج السيارات التي تضيق بها عادة شوارع المدينة لكثرة عددها وتدفقها المستمر.
ويبلغ الغطاء الأمني الذي ترتديه أربيل في مثل هذه المناسبات أوجه، فيظهر مبنى البرلمان محاطاً بجيش من عناصر الشرطة والأمن والقوات الاميركية والكورية الموزعة على امتداد الشارع الذي يقع عليه مبنى البرلمان وما يجاوره من مبانٍ أخرى وفي العادة يجري منع حركة السيارات منعاً باتاً مما يضطرها الى تغيير وجهة سيرها، ويزيد في ضراوة المشهد تعزيز تلك القوات بآليات عسكرية مثل الدبابات والمدرعات، وهو أمر لم تألفه شوارع أربيل من قبل. وتبدأ الاحترازات الأمنية عادة في الليلة التي تسبق المناسبة، فتزداد نقاط التفتيش في الشوارع والطرق الداخلية وتمعن المفارز الأمنية في التدقيق في السيارات، وتغلق في العادة الطرق والمعابر الواصلة بين أربيل وكركوك، وأربيل والموصل حتى انتهاء جلسة البرلمان.
وأمام الحكومة الكردية الموحدة الجديدة مهام وواجبات، لن تنجح فيها إن لم يكن الصدق والشفافية والعدالة عنوان البرنامج الحكومي، اذ ينتظر منها أن تنجح في توفير احتياجات ابناء المنطقة من عيش كريم وأمن مستقر.
فالكهرباء والماء والوقود أمور يبعث الحديث في نفس محدثها الحرج، كونها مطالب انسانية عفا عليها الزمن، لكنها مطالب حقيقية وأساسية وواقعية لشعب لم ير الكثير من هذه الحقوق، وبنظر الاكراد فإن الحكومة الجديدة لن تعني لهم شيئاً إن لم تكن قادرة على توفير مستلزمات العيش، وهذا هو الرقم الأصعب في المعادلة التي يجب على هذه الحكومة الجديدة الانتباه لها أكثر من أي وقت مضى.