الخميس، آذار ٣٠، ٢٠٠٦

تركمان العراق..جدلية الاعتزاز القومي والهوية الوطنية


المؤلف: أرشد الهرمزي
دار النشر: الدار العربية
للموسوعات ط 3 2005
عرض : ادب وثقافة
لابد من الاعتراف ان ثمة اشكالية معرفية وديموغرافية وجغرافية لمكونات الشعب العراقي بسبب تداخل القوميات والاديان بل تتداخل المذاهب داخل القومية الواحدة والدين الواحد كما لعب الساسة والحكام
دورا في تهميش او سيادة هذه القومية او تلك وفقا لمصالحها وأهدافها ومرجعياتها الايديولوجية..وبقي المواطن العادي منهمكاً بحياته اليومية وشؤونه الصغيرة كما كان وللأسف هو الضحية الاولى في هذا المعترك السياسي والاحتراب القومي الذي يخططه الساسة خلف جدران عمائمهم الايديولوجية وأحقادهم القومية.. فينزف دماء المواطنين الابرياء ثمن هذه المخططات.. المواطنين من كل القوميات والطوائف..حتى اصبحت مهمة تبصير المواطن العراقي بهويته القومية وجوهرها الوطني أحد المحرمات والمحظورات التي يمارسها الساسة بحق الباحثين والكُتاب..ومن هنا اصبح التعريف بالهوية القومية احد سمات الثقافة العراقية الجديدة بعد سقوط الدكتاتورية ليشكل هذا ”التعريف“ احد الدفاعات الاولية لاثبات الانتماء الوطني الاصيل لهذه المكونات القومية التي يشكل الاعتزاز بتراثها وحضورها النضالي الوطني احد روافد الاعتزاز بهويتها الوطنية العراقية.كما كانت تشكل هذه الدراسات واحدة من المحرمات والتابوات التي لا يمكن المغامرة بتقديمها لدائرة المطبوعات الرسمية للسلطة التي لا تعترف اصلا بالخصوصيات الاثنية والعرقية والقومية لمكونات الامة العراقية.ومن هنا تشكل هذه الدراسات واحدة من مظاهر الحرية الجديدة والمفتوحة في عراق ديمقراطي تهدده جملة من المخاطر والتهديدات الارهابية والاقليمية.وتكتسب موضوعة التركمان اهمية كونهم القومية الثالثة في العراق بعد القوميتين الرئيستين العربية والكردية. ومن هنا تأتي اهمية البحث التاريخي لاصالة الوجود التركماني العراقي في مقدمة هذا الكتاب”التركمان والوطن العراقي “ لمؤلفه ارشد الهرمزي الصادر عن دار العربية للموسوعات عام 2005 في طبعته الثالثة.يعزز هذه الحقائق بالوثائق والمرجعيات التاريخية التي تثبت وجود التركمان في العراق منذ فجر العصر الاسلامي الاول.. حيث يقول الباحث”يرجع تاريخ المرحلة الاولى لاستيطان التركمان للاراضي العراقية سنة 54 هـ حيث استقدم عبيد الله بن زياد الفين من الاتراك اسكنهم البصرة “ ص15.كما ليس من الغريب ان يكون الفصل الاول هو فصل المواطنة التركمانية بعد اثبات اصالة الوجود التركماني تاريخيا في العراق.كما يستعرض الباحث في هذا الفصل المراحل التاريخية المتعاقبة لمختلف الحكومات العراقية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة من حيث نظرتها الى موقع التركمان في خارطة المواطنة العراقية.ويعتبر الباحث ان ما ورد في الدستور المؤقت الصادر في 27 تموز 1958 يُعد اول انتهاك لحقوق التركمان الدستورية حين الغي للمرة الاولى ما ورد في دستور 1925 من عبارة”سواسية المواطنة “ ليستبدلها بعبارة”ويعتبر العرب والاكراد شركاء في هذا الوطن.. دون ذكر صريح للتركمان واستمر هذا الانتهاك في قانون ما يسمى”بالمجلس الوطني “ لانقلابيي شباط. في قانونهم الرقم 25 الصادر عام 1963.ورغم ما تعرض اليه تركمان العراق من حملات اضطهاد ومجازر تاريخية خلال تعاقب الحكومات العراقية.. الا انهم لم يعلنوا عصيانا مسلحا ضد هذه الحكومات المركزية الشمولية.. بل على العكس كانوا احد المساهمين الفاعلين في انتفاضات الشعب العراقي وثوراته الجهادية منذ ثورة عام 1920 والتي ظهرت في تلعفر حتى انتفاضة اذار من عام 1991.وفي سياق الاستعراض التاريخي للنضال السياسي للتركمان، فان الباحث يؤكد على المشاركة السياسية المبكرة للتركمان والتي ابتدأت باستيزار السيد عزت باشا الكركوكلي عضوا في الحكومة المؤقتة الاولى التي تشكلت عام 1925 برئاسة عبدالرحمن النقيب حيث تقلد منصب وزير المعارف والصحة.حملات الابادة التي تعرض لها التركمانكانت المجزرة البشعة الاولى التي تعرض لها تركمان العراق.. في 4 مايو 1924 على يد جنود مسلحين من المرتزقة الملحقة بالقوة البريطانية بحادث افتعلته القوات البريطانية في السوق الكبير في مدينة كركوك وتوالت عليهم المجازر في تاريخ العراق المعاصر والتي توجت بواقعة 14 تموز عام 1959 وهي واحدة من الاحداث الدموية التي لا يمكن ان تنساها الذاكرة التركمانية والتي حصلت في نهار احتفال التركمان في الذكرى الاولى لثورة 14 تموز والتي حصلت نتيجة لاستفزازات قومية وحزبية وراح ضحية هذه الاحداث الدموية المؤسفة قرابة الـ 25 شهيدا من التركمان.. وقُتِل على اثرها القائد العسكري لمدينة كركوك، كما كانت هذه الاحداث سببا مباشرا للخطاب الغاضب للزعيم عبدالكريم قاسم الذي القاه بمناسبة افتتاح كنيسة مار يوسف وأدى الى حصول احداث مؤسفة في بغداد.. واحترابات بين القوى الحزبية المختلفة.وعلى اثر احداث تموز 1959 قام المواطنون التركمان برفع مذكرة تحريرية الى رئيس الوزراء عبدالكريم قاسم بتاريخ 18 تموز 1959 يذكرون فيها وقائع هذه الواقعة وتفاصيلها واسبابها حسب وجهة نظرهم.ولم تتوقف حملات الاضطهاد ضد التركمان في فترة انقلاب شباط 1963 ماعدا الفترة الهادئة نسبيا خلال عهد الاخوين عبدالسلام وعبدالرحمن عارف.ووصلت دورة الانتهاكات الانسانية بحق تركمان العراق في ايام الحكم الصدامي المباد والذي كان الاضطهاد القومي التمييز الطائفي احد سماته المميزة.ويذكر الباحث احداث يوم 25 اذار 1979 الذي تم فيه اعتقال مجموعة من الزعماء التركمان من بينهم الزعيم التركماني د. نجدت نور الدين قوجات والعميد المتقاعد عبدالله عبدالرحمن بعد ايام من القاء القبض على د.رضا ديمرجي حيث تم تنفيذ حكم الاعدام بهؤلاء يوم 16 كانون الثاني 1980.ومنذ ذلك الحدث بدأت القطيعة بين التركمان والنظام الدموي الصدامي والتي ادت الى ابتعاد المواطنين التركمان عن المناصب الحساسة في حكومة الدكتاتور المبادة كما ادت الى هجرتهم مع بقية اخوتهم من المواطنين العراقيين الى خارج العراق..كما لم يسلم التركمان من الهجمة الوحشية للنظام الدكتاتوري الشوفيني الذي اجهز على الانتفاضة الشعبانية عام 1991 فراح من جراء القصف الوحشي لناحية تازة وطوزخورماتو اكثر من 100 شخص من التركمان الذين تتراوح اعمارهم من 10-66 عاما ما عدا المواطنين التركمان الذين اعدمهم النظام وخاصة من الشيعة التركمان لاتهامه اليهم بالمشاركة في هذه الانتفاضة الخالدة.محطات ثقافية في تاريخ التركمانيُعد تأسيس نادي الاخاء التركماني عام 1960 احد الانعطافات التاريخية المهمة في حياة التركمان الثقافية والسياسية في العراق.كذلك يعد صدور العدد الاول من مجلة ”الاخاء“ باللغتين العربية والتركمانية في ايار 1961 واستمرت بالصدور باتجاهها المستقل الموزون حتى عام 1977 حينما اسقط مجلس قيادة الثورة هيئة هذه المجلة الادارية المنتخبة واستبدالها بزمرة من الاميين واشباه المثقفين.وقبل ذلك كان قد اصدر التركمان اول صحيفة اسبوعية ”البشير“ والتي اصدرت 26 عددا فقط من 13/ 9/ 1958 الى منع صدورها بقرار حكومي بتاريخ 17/ 3/ 1959.الاعداد المتباينة للتركمانكان اول احصاء حكومي للتركمان قدر اعدادهم بـ 136800 لاحصاء عام 1957 وهو اقل رقم صرحت به الحكومة العراقية ويستنتج الباحث على ضوء معدلات النمو السكاني فان العدد التقريبي الذي يتوقعه الباحث هو 2038662 في نهاية عام 1993. موقف التركمان السياسيرغم الاقصاء والتهميش الذي لاقى تركمان العراق من قبل جميع الحكومات الشمولية فلم يعرف عن التركمان عصيان مسلح او تمردات دموية بل العكس كانوا على النقيض من ذلك فهم الضحية على الدوام وقدم التركمان في هذا الطريق آلاف الشهداء والمهجرين ويمثل ابرز ملامح الاتجاه السياسي لتركمان العراق.هو مبدأ فكرة الدولة العراقية الموحدة الحرة الديمقراطية البرلمانية والتي تحترم حقوق الانسان وتسود فيها مبادئ القانون دون تمييز عرقي او مذهبي او طائفي او قومي.خاتمةلابد من الاقرار بمنطق الموضوعية الذي عالج به الباحث ارشد الهرمزي لهذه الموضوعة البالغة الحساسية والشائكة وخاصة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ العراق المعاصر والتي اصبحت فيها قضية”كركوك“ واحدة من المسائل الخلافية في المشهد السياسي العراقي الحالي بين الفرقاء السياسيين المختلفين ولكن ما يهم القارئ في مثل هذه الدراسة هو التعريف بأحد المكونات القومية المهمة في نسيج العراق الاجتماعي والسياسي والثقافي.. والذي كان محجوبا عن اطلاع القارئ العراقي بسبب معايير الارهاب الفكري والرؤى الشوفينية للنظام السابق ومؤسسته الثقافية المكرسة للادب التعبوي والتمجيدي الزائف
.