هل يكون الشيخ ابو عمر البغدادي، المجهول الاسم والوجه، الذي كلف شخصاً اخفى وجهه هو الآخر، ليعلن عن قيام «دولة العراق الاسلامية» التي تشمل «بغداد والانبار وديالى وكركوك وصلاح الدين واجزاء من نينوى وواسط»، ودعا «عامة اهل السنّة الى مبايعته على السمع والطاعة»، هو الأصدق بين كل الذين يتهافتون على اقتسام ما بقي من الكعكة العراقية على اساس انه صار للشيعة اقليمهم المستقل نسبياً في الجنوب، والاكراد يديرون مناطقهم في الشمال منذ سنوات.
الاعلان الذي بثه «مجلس شورى المجاهدين في العراق بقيادة تنظيم القاعدة» كشف عن امور كثيرة، وسوف يقلب الكثير من الموازين الاقليمية. ابرز ما كشفه تأكيد فشل حكومة نوري المالكي فشلا ذريعا، وان كل ما خططه رئيس الوزراء «للمصالحات» الوطنية، ربما ظل في خانة التصريحات، ولم يصل حتى الى تدوينه على الورق.
الامر الثاني، وبعد معارضة «هيئة علماء المسلمين في العراق» (اعلى المرجعيات السنية) لهذا الاعلان، واشارتها الى ان «مجلس شورى المجاهدين» غير مخول للحديث باسم المسلمين، وان البيعة «لا تكون الا لإمام معروف للناس خلقا وعلما»، هذه المعارضة ازاحت الستار علنا عما تحاول الولايات المتحدة تجاهله منذ اشهر طويلة، وهو ان «القاعدة» في العراق لا تمثل المقاومة السنية فيه، وان هؤلاء السنّة يقاتلون «القاعدة» وقوات الاحتلال الاجنبية، وان الخلافات بين القادة العسكريين الاميركيين، ما بين مؤكد بأن مجموعات مسلحة من السنّة تشن هجمات على مقاتلي «القاعدة» في الرمادي والحسيبة ومدن اخرى من الانبار، وان المقاومة السنية المحلية صارت جزءاً من الحل، (الناطق باسم القيادة الاميركية الميجور جنرال ريك لينشي)، وبين رافض لهذا الطرح متهما المقاتلين السنّة بأنهم يريدون انسحاب القوات الاميركية من الرمادي للسيطرة على المدينة (الجنرال جورج كيسي قائد القوات الاميركية في العراق)، وذلك عندما اقترح عليه الجنرال العراقي السابق صائب الراوي ممثل المقاومة السنية في الانبار بأن تنسحب القوات الاميركية وتحل مكانها فرقة من الجيش العراقي السابق من ابناء المنطقة. ولما رفض كيسي هذا الاقتراح متهما الراوي بالخداع، اجابه الاخير: «ان قواتي حمت المدينة مدة ستة اشهر بعد سقوط صدام حسين، انتم لم تحموا المدينة ولن تستطيعوا ذلك لانكم غرباء غير مقبولين وغير مرحب بكم». وفي 13 ايلول (سبتمبر) الماضي ابلغ اياد السامرائي صحيفة «التايمز» اللندنية ان رفض الاميركيين تسليح سنة الانبار دفع عدداً من زعماء السنّة الى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة انما تساعد «القاعدة» عن قصد لأنها تفضل الفوضى ولا تريد استقرار المنطقة.
اذن، ان اعلان الشيخ ابو عمر البغدادي عن امارته هو احراج للقيادة العسكرية الاميركية وللادارة في واشنطن.
الامر الآخر الذي كشفه هذا الاعلان ـ باسم فرع «القاعدة» في العراق ـ كان وضع مدينة كركوك. اذ تزامن اعلان الامارة الاسلامية مع سلسلة من السيارات المفخخة التي انفجرت في كركوك. وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري (كردي) قلل من خطورة هذه الانفجارات قائلا: «ان بقايا النظام السابق تحاول تعكير الوضع في المدينة الهادئة اجمالا.
الهدف من تصريح زيباري معروف، فالقادة الاكراد يريدون الاسراع في تطبق المادة 140 من الدستور العراقي الجديد، على امل ضم كركوك الى منطقة الحكم الذاتي. وكان محمد احسان وزير الشؤون المحلية في كردستان قال قبل فترة قصيرة: «بقي القليل من الوقت لتطبيق المادة 140، واذا كانت نوايا بغداد صادقة فان الوقت المتبقي يكفي».
لكن منذ حوالي شهرين، والاوضاع الامنية في مدينة كركوك الغنية بالنفط تتدهور خصوصاً بعدما شكلت حكومة المالكي لجنة مهمتها «تطبيع الوضع في المدينة». وتوالت الهجمات في كركوك، وكان الهدف منها وقف تطبيق البند 140 الذي يرمي الى ازالة آثار سياسة التعريب التي مارسها نظام صدام حسين. ويدعو الدستور الجديد الى اجراء احصاء سكاني، ثم استفتاء حول مصير كركوك، وبعدهما تطبيع الوضع، على ان تُضم كركوك في النهاية الى كردستان بشكل تام.
مستقبل كركوك مطروح الآن على المحك الاقليمي والدولي، فالمدينة ضحية ثروتها النفطية اذ ان الاكراد يعتبرونها مدينة كردية ويقولون ان التركمان طارئون، والعرب جاؤوها مع بداية سياسة التطهير العرقي التي مارسها صدام حسين ضدهم.
لن يحل اعلان ابو عمر البغدادي عن قيام «دولة العراق الاسلامية» على عدة مدن عراقية، ابرزها بغداد وكركوك، المشكلة الطائفية المشتعلة قتلا وجثثا في العراق. اذ ان في بغداد وحواليها مناطق متداخلة مذهبيا، ومتنازع عليها، الا ان تقسيم المناطق في العراق صار واقعا، رغم كل النفي المتطاير من هنا وهناك، لذلك يطرح هذا الاعلان التدخل الاقليمي، فالتقسيم حسب تجمع المذاهب والاثنيات، سيفقر السنّة، لأن الشيعة يسيطرون على نفط الجنوب، والاكراد على حقول نفط الشمال، اما السنّة فانهم لا يسيطرون على شيء. واذا وقع التقسيم حسب الحدود الحالية، فان اوضاع السنّة ستتراجع وتنهار، ونظراً للثورة والقلاقل التي يقومون بها، فلا بد ان تكون لهم حصة من نفط العراق.
ان الاشارة الى كركوك في اعلان «دولة العراق السنية» لم تأت عن عبث، الاكراد يسيطرون عليها الآن، انما السنّة العرب يريدونها. ولذلك كثرت فيها العمليات الارهابية اخيرا. لكن، بما ان السنّة يقاتلون الشيعة، ويقاتلون الاكراد، ويقاتلون الاميركيين ويقاتلون بعضهم بعضا، فان حظوظهم في التحكم بكركوك معدومة، خصوصاً ان الاكراد متفقون مع الشيعة، ويقاتلون فقط السنّة ومن اجل كركوك دون غيرها.
المعروف ان تركيا تتدخل في المدينة وتعرقل التوصل الى حل بحجة انها تحمي مصالح التركمان. وتركيا تعرف انها عامل اساسي لا بد من اخذه في الاعتبار. حتى الآن هي لم تتدخل في الحرب العراقية، لكن الحرب مستعرة، والتصويت على الفيدرالية اثار لديها الكثير من الحساسيات. ان تركيا لا تريد رؤية الاقليم الكردي العراقي المستقل قويا كي لا يصبح لاحقا دولة كردية مستقلة قادرة على الاعتماد على نفطها (كركوك)، فقيام مثل تلك الدولة سيدفع بالرياح الوطنية الكردية الى الهبوب في اتجاه اكرادها، وهذا سيدفع بالاثنيات الاخرى الى التحرك، مما يعني زعزعة وحدة الاراضي التركية. ان تركيا لن ترحب بمفعول الفيدرالية في العراق خصوصا اذا انهارت بغداد والحكومة المركزية فيها. لذلك، تريد تركيا ان تضعف الاكراد، ولأنها تريد ان تضمن منطقة فاصلة بينها وبين الشيعة في العراق، منطقة لا يكون الاكراد فيها هم الاقوياء فان من مصلحتها الوطنية تقوية السنّة الآن. قبل الغزو الاميركي للعراق، كانت تركيا تتدخل كثيرا فيه، وكانت لها مواقع عسكرية داخله، ثم ان لها علاقات قوية مع زعماء العشائر السنية في المنطقة العربية، واذا رأت انقرة انها ستواجه كأمر واقع دولة كردية، فلا بد انها ستفكر بتقوية روابطها السنية مع العشائر.
ويؤكد الواقع ان الاتراك يعارضون الجهاديين والاصوليين الاسلاميين، وهم كبقية زعماء العشائر السنية يعتبرون الجهاد الاصولي خطراً يهدد سلطاتهم، وكما اعترضت هيئة علماء المسلمين على اعلان الامارة الاسلامية في العراق بلسان فرع «القاعدة»، فان الاتراك مثلهم لا يريدون ان يكون لهؤلاء الاصوليون اي دور في الدولة السنية المقبلة في العراق اثر التقسيم الفعلي. وكما يقول احد المراقبين الغربيين المتتبعين للتطورات فان الاتراك يريدون اضعاف الاكراد، والسنّة يريدون السيطرة على جزء من نفط الشمال، مما يعني ان التحالف وارد بين الاتراك والعشائر السنية، يضاف الى ذلك، ان تركيا تواجه رفضاً لقبول عضويتها في التحالف الاوروبي، خصوصا بعد قرار البرلمان الفرنسي اعتبار نفي المجزرة التي ارتكبها الاتراك بحق الارمن، جريمة. على المدى القريب، لم تعد انقرة راغبة في الصراع من اجل الدخول الى النادي الاوروبي، كما انها لا تحتاجه، فوضعها الاقتصادي افضل من وضعي فرنسا والمانيا.
اما ايران، فانها لن تنزعج اذا ما ضعف اكراد العراق، لأن لديها اكرادها، ولا تريد تحرك الاثنيات فيها، كما انها لن تعارض تحجيم الاصولية السنية، فطالما ان الشيعة يسيطرون على جنوب العراق، وطالما ان لا منازع لنفوذها عند الشيعة العراقيين، فانه يمكنها العيش مع النفوذ التركي عند سنّة العراق. ومع تفكير بريطانيا بسحب قواتها من جنوب العراق، بعد الضجة التي اثارتها تصريحات رئيس الاركان السير ريتشارد دانات، تضع الولايات المتحدة، وهي تنتظر تقرير وزير خارجيتها السابق جيمس بيكر الخطط لاعادة نشر قواتها في شمال العراق، ومثل هذه الخطط تحتاج الى الدعم التركي لأن الامدادات اللوجستية من الكويت ستكون صعبة وبعيدة. وكما يبلغني محدثي: «اذا كانت الولايات المتحدة راغبة بدور لها في العراق بعد اعادة نشر قواتها، فان عليها ان تأخذ المصالح التركية بعين الاعتبار». ويضيف: «في السابق ولحماية ظهر قواتها في وسط العراق وقبل ذلك للاطاحة بنظام صدام حسين، دعمت واشنطن المصالح الكردية، اما الآن فانها تحتاج للاتراك وليس لديها ما تقدمه لهم في المقابل، لقد كان الاتراك يرغبون في تسهيل انضمامهم الى اوروبا، وهذا امر لا تستطيع واشنطن ان توفره لهم».
قد تصبح كركوك، نقطة التنازع المشتعلة قريبا، وبالتالي ستتحول الانظار من بغداد الى انقرة لمعرفة كيف ستتطور الاوضاع السياسية لاحقا. لكن، الا يلفت هذا سقوط الورقة العربية من الحل العراقي؟
الاعلان الذي بثه «مجلس شورى المجاهدين في العراق بقيادة تنظيم القاعدة» كشف عن امور كثيرة، وسوف يقلب الكثير من الموازين الاقليمية. ابرز ما كشفه تأكيد فشل حكومة نوري المالكي فشلا ذريعا، وان كل ما خططه رئيس الوزراء «للمصالحات» الوطنية، ربما ظل في خانة التصريحات، ولم يصل حتى الى تدوينه على الورق.
الامر الثاني، وبعد معارضة «هيئة علماء المسلمين في العراق» (اعلى المرجعيات السنية) لهذا الاعلان، واشارتها الى ان «مجلس شورى المجاهدين» غير مخول للحديث باسم المسلمين، وان البيعة «لا تكون الا لإمام معروف للناس خلقا وعلما»، هذه المعارضة ازاحت الستار علنا عما تحاول الولايات المتحدة تجاهله منذ اشهر طويلة، وهو ان «القاعدة» في العراق لا تمثل المقاومة السنية فيه، وان هؤلاء السنّة يقاتلون «القاعدة» وقوات الاحتلال الاجنبية، وان الخلافات بين القادة العسكريين الاميركيين، ما بين مؤكد بأن مجموعات مسلحة من السنّة تشن هجمات على مقاتلي «القاعدة» في الرمادي والحسيبة ومدن اخرى من الانبار، وان المقاومة السنية المحلية صارت جزءاً من الحل، (الناطق باسم القيادة الاميركية الميجور جنرال ريك لينشي)، وبين رافض لهذا الطرح متهما المقاتلين السنّة بأنهم يريدون انسحاب القوات الاميركية من الرمادي للسيطرة على المدينة (الجنرال جورج كيسي قائد القوات الاميركية في العراق)، وذلك عندما اقترح عليه الجنرال العراقي السابق صائب الراوي ممثل المقاومة السنية في الانبار بأن تنسحب القوات الاميركية وتحل مكانها فرقة من الجيش العراقي السابق من ابناء المنطقة. ولما رفض كيسي هذا الاقتراح متهما الراوي بالخداع، اجابه الاخير: «ان قواتي حمت المدينة مدة ستة اشهر بعد سقوط صدام حسين، انتم لم تحموا المدينة ولن تستطيعوا ذلك لانكم غرباء غير مقبولين وغير مرحب بكم». وفي 13 ايلول (سبتمبر) الماضي ابلغ اياد السامرائي صحيفة «التايمز» اللندنية ان رفض الاميركيين تسليح سنة الانبار دفع عدداً من زعماء السنّة الى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة انما تساعد «القاعدة» عن قصد لأنها تفضل الفوضى ولا تريد استقرار المنطقة.
اذن، ان اعلان الشيخ ابو عمر البغدادي عن امارته هو احراج للقيادة العسكرية الاميركية وللادارة في واشنطن.
الامر الآخر الذي كشفه هذا الاعلان ـ باسم فرع «القاعدة» في العراق ـ كان وضع مدينة كركوك. اذ تزامن اعلان الامارة الاسلامية مع سلسلة من السيارات المفخخة التي انفجرت في كركوك. وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري (كردي) قلل من خطورة هذه الانفجارات قائلا: «ان بقايا النظام السابق تحاول تعكير الوضع في المدينة الهادئة اجمالا.
الهدف من تصريح زيباري معروف، فالقادة الاكراد يريدون الاسراع في تطبق المادة 140 من الدستور العراقي الجديد، على امل ضم كركوك الى منطقة الحكم الذاتي. وكان محمد احسان وزير الشؤون المحلية في كردستان قال قبل فترة قصيرة: «بقي القليل من الوقت لتطبيق المادة 140، واذا كانت نوايا بغداد صادقة فان الوقت المتبقي يكفي».
لكن منذ حوالي شهرين، والاوضاع الامنية في مدينة كركوك الغنية بالنفط تتدهور خصوصاً بعدما شكلت حكومة المالكي لجنة مهمتها «تطبيع الوضع في المدينة». وتوالت الهجمات في كركوك، وكان الهدف منها وقف تطبيق البند 140 الذي يرمي الى ازالة آثار سياسة التعريب التي مارسها نظام صدام حسين. ويدعو الدستور الجديد الى اجراء احصاء سكاني، ثم استفتاء حول مصير كركوك، وبعدهما تطبيع الوضع، على ان تُضم كركوك في النهاية الى كردستان بشكل تام.
مستقبل كركوك مطروح الآن على المحك الاقليمي والدولي، فالمدينة ضحية ثروتها النفطية اذ ان الاكراد يعتبرونها مدينة كردية ويقولون ان التركمان طارئون، والعرب جاؤوها مع بداية سياسة التطهير العرقي التي مارسها صدام حسين ضدهم.
لن يحل اعلان ابو عمر البغدادي عن قيام «دولة العراق الاسلامية» على عدة مدن عراقية، ابرزها بغداد وكركوك، المشكلة الطائفية المشتعلة قتلا وجثثا في العراق. اذ ان في بغداد وحواليها مناطق متداخلة مذهبيا، ومتنازع عليها، الا ان تقسيم المناطق في العراق صار واقعا، رغم كل النفي المتطاير من هنا وهناك، لذلك يطرح هذا الاعلان التدخل الاقليمي، فالتقسيم حسب تجمع المذاهب والاثنيات، سيفقر السنّة، لأن الشيعة يسيطرون على نفط الجنوب، والاكراد على حقول نفط الشمال، اما السنّة فانهم لا يسيطرون على شيء. واذا وقع التقسيم حسب الحدود الحالية، فان اوضاع السنّة ستتراجع وتنهار، ونظراً للثورة والقلاقل التي يقومون بها، فلا بد ان تكون لهم حصة من نفط العراق.
ان الاشارة الى كركوك في اعلان «دولة العراق السنية» لم تأت عن عبث، الاكراد يسيطرون عليها الآن، انما السنّة العرب يريدونها. ولذلك كثرت فيها العمليات الارهابية اخيرا. لكن، بما ان السنّة يقاتلون الشيعة، ويقاتلون الاكراد، ويقاتلون الاميركيين ويقاتلون بعضهم بعضا، فان حظوظهم في التحكم بكركوك معدومة، خصوصاً ان الاكراد متفقون مع الشيعة، ويقاتلون فقط السنّة ومن اجل كركوك دون غيرها.
المعروف ان تركيا تتدخل في المدينة وتعرقل التوصل الى حل بحجة انها تحمي مصالح التركمان. وتركيا تعرف انها عامل اساسي لا بد من اخذه في الاعتبار. حتى الآن هي لم تتدخل في الحرب العراقية، لكن الحرب مستعرة، والتصويت على الفيدرالية اثار لديها الكثير من الحساسيات. ان تركيا لا تريد رؤية الاقليم الكردي العراقي المستقل قويا كي لا يصبح لاحقا دولة كردية مستقلة قادرة على الاعتماد على نفطها (كركوك)، فقيام مثل تلك الدولة سيدفع بالرياح الوطنية الكردية الى الهبوب في اتجاه اكرادها، وهذا سيدفع بالاثنيات الاخرى الى التحرك، مما يعني زعزعة وحدة الاراضي التركية. ان تركيا لن ترحب بمفعول الفيدرالية في العراق خصوصا اذا انهارت بغداد والحكومة المركزية فيها. لذلك، تريد تركيا ان تضعف الاكراد، ولأنها تريد ان تضمن منطقة فاصلة بينها وبين الشيعة في العراق، منطقة لا يكون الاكراد فيها هم الاقوياء فان من مصلحتها الوطنية تقوية السنّة الآن. قبل الغزو الاميركي للعراق، كانت تركيا تتدخل كثيرا فيه، وكانت لها مواقع عسكرية داخله، ثم ان لها علاقات قوية مع زعماء العشائر السنية في المنطقة العربية، واذا رأت انقرة انها ستواجه كأمر واقع دولة كردية، فلا بد انها ستفكر بتقوية روابطها السنية مع العشائر.
ويؤكد الواقع ان الاتراك يعارضون الجهاديين والاصوليين الاسلاميين، وهم كبقية زعماء العشائر السنية يعتبرون الجهاد الاصولي خطراً يهدد سلطاتهم، وكما اعترضت هيئة علماء المسلمين على اعلان الامارة الاسلامية في العراق بلسان فرع «القاعدة»، فان الاتراك مثلهم لا يريدون ان يكون لهؤلاء الاصوليون اي دور في الدولة السنية المقبلة في العراق اثر التقسيم الفعلي. وكما يقول احد المراقبين الغربيين المتتبعين للتطورات فان الاتراك يريدون اضعاف الاكراد، والسنّة يريدون السيطرة على جزء من نفط الشمال، مما يعني ان التحالف وارد بين الاتراك والعشائر السنية، يضاف الى ذلك، ان تركيا تواجه رفضاً لقبول عضويتها في التحالف الاوروبي، خصوصا بعد قرار البرلمان الفرنسي اعتبار نفي المجزرة التي ارتكبها الاتراك بحق الارمن، جريمة. على المدى القريب، لم تعد انقرة راغبة في الصراع من اجل الدخول الى النادي الاوروبي، كما انها لا تحتاجه، فوضعها الاقتصادي افضل من وضعي فرنسا والمانيا.
اما ايران، فانها لن تنزعج اذا ما ضعف اكراد العراق، لأن لديها اكرادها، ولا تريد تحرك الاثنيات فيها، كما انها لن تعارض تحجيم الاصولية السنية، فطالما ان الشيعة يسيطرون على جنوب العراق، وطالما ان لا منازع لنفوذها عند الشيعة العراقيين، فانه يمكنها العيش مع النفوذ التركي عند سنّة العراق. ومع تفكير بريطانيا بسحب قواتها من جنوب العراق، بعد الضجة التي اثارتها تصريحات رئيس الاركان السير ريتشارد دانات، تضع الولايات المتحدة، وهي تنتظر تقرير وزير خارجيتها السابق جيمس بيكر الخطط لاعادة نشر قواتها في شمال العراق، ومثل هذه الخطط تحتاج الى الدعم التركي لأن الامدادات اللوجستية من الكويت ستكون صعبة وبعيدة. وكما يبلغني محدثي: «اذا كانت الولايات المتحدة راغبة بدور لها في العراق بعد اعادة نشر قواتها، فان عليها ان تأخذ المصالح التركية بعين الاعتبار». ويضيف: «في السابق ولحماية ظهر قواتها في وسط العراق وقبل ذلك للاطاحة بنظام صدام حسين، دعمت واشنطن المصالح الكردية، اما الآن فانها تحتاج للاتراك وليس لديها ما تقدمه لهم في المقابل، لقد كان الاتراك يرغبون في تسهيل انضمامهم الى اوروبا، وهذا امر لا تستطيع واشنطن ان توفره لهم».
قد تصبح كركوك، نقطة التنازع المشتعلة قريبا، وبالتالي ستتحول الانظار من بغداد الى انقرة لمعرفة كيف ستتطور الاوضاع السياسية لاحقا. لكن، الا يلفت هذا سقوط الورقة العربية من الحل العراقي؟